لا يرث الكائن الحي صفاته فقط من والديه بل يرث بيئته كذلك! والطفل البشري يعيش في مجتمع من الناس ولذلك فإنه يولد مجهزاً بالعديد من الأدوات التي تتيح له التفاعل والتعلم في هذا المجتمع

أن الطفل البشري يولد ولديه صورة واضحة في ذهنه عن الوجه البشري وقدرة على تقليد حركاته ورغبة ملحة في التفاعل والتواصل معه. فمثلاً حديثي الولادة عند عمر الأربعين دقيقة يستطيعون تقليد الوجه البشري وحركاته، فكان يمد لسانه لهم ويمدون ألسنتهم له في المقابل. (1)

لا تأتي هذه القدرات دون فائدة، فالطفل البشري يولد في مجتمع من الناس يرغبون في التفاعل معه ورعايته وتعليمه، ففي حين أن والدة الطفل الشمبانزي تستحوذ على طفلها بالكامل وتمنع أيا كان من الإقتراب منه، فإن الصورة تكون مختلفة تماما عند الطفل الإنسان، (2)

يتيح هذا التفاعل للطفل صقل مهاراته الاجتماعية بشكل أكبر فيظهر لديه بحلول عامه الأول ما يسمى ب” الانتباه المشترك” إذ يراقب الطفل البالغين في عالمه باهتمام بالغ وهم يعملون على الأشياء، فتصبح علاقته بعالمه ثلاثية الأبعاد، الطفل- البالغ- الأشياء.

يكتشف الطفل من خلال هذه المراقبة بأن حركات البالغين من حوله ليست مجرد حركات عشوائية لا معنى لها بل حركات ذات معانِ وأهداف. سيفهم الأطفال اذاً عالمهم بشكل مختلف فهذا أبي يحاول فتح الثلاجة وهذه أمي تشرب من الكوب، وليس مجرد اشخاص يقومون بحركات دون معنى.

تستمر هذه القدرات بالتطور إلى أن تنبثق لدى الطفل قدرات التواصل عن طريق اللغة وهي أداة ذات فعالية كبيرة في التعلم الإجتماعي

واللغة هي ظاهرة اجتماعية لا يمكن أن يطورها الإنسان إلا من خلال تفاعله مع الناس من حوله. تظهر معظم هذه القدرات في السنوات الثلاثة الأولى من حياة الطفل ولذلك فإن هذه السنوات تعتبر هامة وتأسيسية. وكما أن لتعاطي المجتمع دور أساسي في تطويرها، إلا أن هذا التطوُّر لا يمكن أن يحدث دون دماغ سليم

فقد وجد العلماء بأن للحديد دور أساسي في بناء وتطور الدماغ وبأن نقصه يؤثر بشكل كبير على أداء الطفل الاجتماعي ولذلك فإن مكافحة نقص الحديد في هذه السنوات المفصلية يعد هدفا مشروعا لطبيب الأطفال والأهل وداعمي الطفولة بشكل عام.

د.فرات كريشان

أخصائي أطفال وحديثي الولادة